فصحى : بكاؤك يوم البين يا أم حاجب

كلمات الشاعر : إبراهيم بن قيس

بكاؤك يوم البين يا أم حاجبووجدك من فقد القرين المصاحب
يسرّك عقباه بأوبته إِذاتهنيك بالبشرى ذوات الذوائب
لعمرك ما أعرضت عنك ليالياوأعمنت عن بغض ولا عن معائب
ولكن طلاب العز أولى من الثوىعلى حالة الارغام بين الرغائب
ذريني من جبس من الناس أبلدثناه عن الترحال دمع الحبائب
سلي عن فتى خاض البحار ولجَّهاوشمر بالادلاج فوق النجائب
ولم يغتمض مذ يوم فارق أرضهإلى أن أتاها زائراً بالقواضب
وبالمال والأتراس والراية التيتجذذ حلقوم الحسود المجانب
أمد بها الندب الذي لم يكن لهشبيه بأرض الشرق أو في المغارب
امام حميّ الأنف صدق حماؤهعزيز رحيب الصدر جم المواهب
أخو الدولة الزهرا التي عز أمرهابقاضي قضاة المسلمين الأطائب
هما رسيا فيها فقرت بأهلهاكما قرت الغبرا بصمّ الشناخب
هم طلقا دنياهما وتزوجامكارهها إِذ فيه مهر الكواعب
سمت بهما للحسنيين عزيمةفحلاّ بها في المجد أعلا المراتب
هنيئاً لمن أمسى وأصبح ناظراًلوجهيهما مستحسناً كالمواضب
فما كنت إلا باحتساب إليهماألجّ بطرفي دائباً أي دائب
ألا إن قلبي مذ تغيبت عنهماشجيّ وصدري كائب أيّ كائب
أصت غداة البين بالبين منهماومن عصبة غر كمثل الكواكب
عصابة صدق أسست كل معلمبدين الهدى ترجو حميد العواقب
بعرصة نزوى ذات دين وعفةوحلم رسيب كالجبال الرواسب
فلو أن لي نفساً ونفساً صحبتهمبنفس ونفس ترتمي للمطالب
لقد رمتهم قصد الأشرف حاجةفأصبحت فيهم قاضياً للمآرب
وما كسرور المرء بالنجح نعمةإِذا آب عن حاجاته غير خائب
أقول لشيخ من بني القيس أشهلشديد اللقا شهم كريم المناصب
كريم المحيا فيصل ذي مهابةوجاه ووجه للقصي والأقارب
أبي هل تراني كاذباً في مقالتيستنصرني الاخوان أم غير كاذب
جلبت لك الخيرين والمجد فابشرنبطيب حياة أو بحسن عواقب
وما خلق الفتيان إِلا لمثلهاوإلا فهم أولى بلبس الجلابب
ألم تر أن القوم ينعش أمرهمفتى لا يقرُّ الضيم محض الضرائب
إذا مات دينا لحق قمت بثارهوناصبت فيه كل غاو مناصب
إِذا لم أقم للحرب سوقاً فلا علتإذاً لي يداً يوماً ولا عزّ جانبي
سأقدح نار الحرب حتى أثيرهابواد تغطيه ذيول الغياهب
سأكشف غما حضرموت بوقعةتسرّ بصرعاها ذوات المخالب
سأقضي حقوق السيف بعدد ثورهوأرضي بما أقريه أسد السباسب
فلست أرى حقاً تقوم قناتهوتخفق إلا بعد نوح النوادب
وما في امرىء أضرى الحروب ببلدةفأبكى بواكيها إِذاً من عجائب
متى أحمل السيف المشطب أصبحتطغاة الورى ذلاً عراة المناكب
وما الخير إِلا في السيوف وهزهاوالقائها في الهام أو في الحواجب
بها ندرك الفردوس والحور والعلامعاً والمعالي والتماس المناقب
وحمل الفتى للسيف في اللّه ساعةكستين عاماً من عبادة راهب
فمال إِلا السيف حصن ومفزعإِلى أن ألاقي السيف والسيف صاحبي
لقد شاقني للحرب يوم عصبصبوأشرب قلبي الموت بين الكتائب
كمثل ابن يحيى وابن عوف وأبرهٍوبلج ومرداس ومثل ابن راسب
عدمت مناي إِن رضيت لمهجتيمنية مبعوث ثوى في المحارب
لعمري إمَّا متُّ متُّ وإن أعشفكم من حروب تصطلى ومكارب
ألا رب يوم للجلاد أمامناعبوس جليل الخطب جم النوائب
ترى الناس في بين دام وجاثموجاث ومنكبَّ قتيل وهارب
هنالك تبلو كل نفس مقالهاوما أودعته في الليالي الذواهب
لقد علم الغاوون أني لصادقوفي بما أوعدت عند التحارب

صورة :

فصحى - تضيق على الوهن البليد المذاهب

كلمات الشاعر : إبراهيم بن قيس


تضيق على الوهن البليد المذاهبإذا ضاق أو عزت عليه المطالب
وأما الامام الأريحيّ فإنهيفيض إِذا ضاقت عليه المذاهب
ألم تر أني كلما أخلف الرجابأرض رمت بي نحو أخرى الركائب
ولم يثنني خوف ولا جفوة ولاأردّ عناني أن بكين الكواعب
وكيف وقد بيَّعت نفسي لذي العلافهان عليه في رضاه المصائب
فأي بلاد لم أزرها ولم تزرفوادي بها منها أمور عجائب
أقمت سنيناً في نواحي ربيعةإِلى السر أدعو في الورى وأخاطب
فما عرفوا فضل الامامة فيهمولا عرفوا فضل الذي أنا طالب
إذا عزمت منهم على النصر بلدةثنى عزمها واشٍ عن الرشد جانب
وهيهات أن الشمس بيضا فمن حكىبأن عليها كلفة فهو كاذب
فواللّه ما خافوا سوى العدل فيهموفي العدل واللّه العلا والرغائب
سلي يا بنة القوم الذين تجاهلواعليّ بماذا قابلتني الحواشب
أأبدوا معاذيراً كقومك أم بهمتكثر حسّادي وقلّ المحارب
أولاك ملاذ للّهيف ومفزعوكهف لمن حلَّت عليه النوائب
ملوك أساس الملك منهم عباهلجبال مراجيح الحلوم شناخب
لهم قدرة مع بسطة فعلى الورىلهم ظل عفو واسع ومواهب
بنى الملك العباس فيهم مراتباًمن المجد لا تعلو عليها المراتب
كأن على السلطان أرزاق ذي الورىففي داره للعرف منهم عصائب
ولكنّ من لا يدخل الناس منزلاًبعرف وما فيه من العرف حاجب
هم الناس قد يلقى غطيط ازدحامهمعلى باب من تقضى لديه المآرب
أبا الفضل أملا الوافدون دلاءهمفأمل دلائي أنّ بحرك ضارب
أبا الفضل حاجاتي حسام وبذلهاعليك يسير وهي فهي المواكب
أبا الفضل عاين هل لي اليوم معقلسواك لحق أو سواي يطالب
أبا الفاضل أما غاية الجهد في الدعافعندي وأما النصر منك فواجب
أبا الفضل إن الشرق والغرب أعنقاإليك وإن الشرق للغرب راهب
فحتى متى لا يكرب الشرق مغرباًوترجف أرجاف الرعود الكتائب
ألا رب أرض يابن معنٍ بأهلهاتميد إذا ما قيل إنك راكب
بدا السعد فانهض في البلاد لك البقافما في نواحيها لك اليوم غالب
على أن هذا الأمر فيه مناقبيدوم لها حسن الثنا وعواقب
فشمِّر ولا تسمع مقالة رذّللهم في لحوم العالمين مخالب
فكم متغاض عفة متقسسيريك عفافاً وهو زان وشارب
بعقلك فانظر إن عقلك وافروعزمك فاسلك إن عزمك ثاقب
وأختم قولي بالصلاة على الذيتجلّت به لما استنار الغياهب


صورة :

ياما تحت الساهي دواهي



من ديوان ابرز تنجز للشاعر على محيلبه 
ياما تحت الســـــــــــاهي دواهي

عربيتي اسمها خنزيره
و رصيدي فى البنك بواكي
و الحاره بقى لها أميره
و الظالم يبقى الشاكي
و الحظ عملته خميره
ياما تحت الساهي دواهي
فيها ايه لو أخش الجامعه
أدخل
أخرج مش سامعه
ليه اذاكر تحت الشمعه
و أنا حلوه
و ناجحه
و لامعه
خلينا نعيش أيامنا
بس نعيش أيامنا
بس نغير في كلامنا
و الحظ حيبقى بواكى
ياما تحت الساهى دواهي
فيها ايه لو أروح النادي
و أقول لأبويا يا دادي
و أمسك سبحه و أنادي
الظالم هو البادي
ألبس ايتيكيت و أتأنزح
مش حاضحك يوم
و لا أمزح
الا مع الجيل الراقي
اللي اتعذب بفراقي
و أغير ليه في كلامي
خليني أعيش أيامي
و الحظ حيبقي بواكي
ياما تحت الساهي دواهي
فيها ايه لو أروح المسرح
أسهر
و أتعشى
و أسرح
مع سهره تكون بوليسيه
مليانه حاجات سياسيه
و عشان تحلى الأمسيه
رقاصه مهيش انسيه
ترقص بميزان العدل
و العقل خلاص اتشل
وكلامهم على المكشوف
و ماحدش كان مكسوف
و عشان أجمل أيامي
قلت أغير في كلامي
و الحظ حيبقي خميره
والألف حتبقى بواكي
ياما تحت الساهي دواهي
فيها ايه لو أخش الحزب
بس تعلمني الكذب
نفسي أطلع فوق و أشب
نشرب و نقزقز لب
و نسيب الدنيل تسب
تحميني و انا أحميك
اديني و انا أديك
عوامه في قلب النيل
أو وصفه بتقتل جيل
و دموع جوه المناديل
و بارود لاجل القناديل
خبرني ازاه حنشيل
أسامينا من المواويل
يالله نغير في كلامهم
يالله نغير في كلامنا
خلينا نعيش أيامنا
و الحظ حيبقي خميره
و الألف حتبقي بواكى
ياما تحت الساهي دواهي
فيها ايه لو اخش القبر
محتاج لشوية صبر
و يارب الهمنا الصبر
بتقولي : بعد الشر
دي العيشه معاك أمر
و القلب معاك انجر
لذنوب بتفوق الخمر
و الخير مقتول على البر
فوتناه و ركبنا الشر
بكلامك مش حاتغر
غفار فهمني الأمر
جبار علمني الصبر
و أغير ليه في كلامي
و أداري ليه فب ألامي
خليني أتوب و انساك
خليني أقول في هواك
ياما تحت الساهي دواهي



صورة:

شعر معبر : يا حياتي

كلمات الشاعر : محمد المعاشي

يا حياتي              يا حياتي
يا دنياي               واخرتي
لمَ اسرعت          ولمَ بكيتي
دموعك اغرقتني     في بحر لونه بني
احبك اكثر من يفديك     وانا ارجوك
لا تذهبي            ولا تنظري ورائكي
الحياة تمر          كالنيزك المعتل
الحياة حلوى       واحيانا مرّة

صورة:

شعر معبر : الحياة و الممات

كلمات الشاعر : محمد المعاشي

الحياة اخرها ممات      و تبقى العبرة حتى للاموات

ما احلى الحياة            و يعود الفضل للمذكرات
المذكرات دونت          كل ما في الارض حتى تكونت
هناك غرائب             و هناك عجائب
والوقت يمر              و طعمه مر
صنعنا القطارات        و طورنا الطائرات
برمجنا الالات         و اخذنا العملات

صورة:



جيتك ادور حق في دنيا الانصاف

كلمات الشاعر : أبراهيم الرديعان


جيتك ادور حق في دنيا الانصاف
بعسر الظروف القاسيه جيت طلاّب
جيت القط انفاسي من سنين اعجاف
هارب من هموم الهوى وانت الاسباب
ماجيت وعيني دمعها دم ينشاف
جيت اطلب انصافي بلا لوم وعتاب
عشت الأ مل في عين الاحلام مصياف
حلمي عطش تضحتك له اشفاه كذاب
شفت الوعد ضحكه على جال ميهاف
ونور المحبه في سما ناظري غاب
مات اللقا كذبه على كف عراف
مثل الزمن لادار ماشفت الاحباب
كانك على شح الوصل صرت عياف
اصد انا مثلك وأجازيك بحساب
لاما طلبتك عطف ولاجيت خواف
سوال واحد منك ما ابيه بكتاب
الصورة:
الشاعر أبراهيم الرديعان

كائنات مملكة الليل



كلمات الشاعر :  أحمد عبدالمعطي حجازي

أنا إلهُ الجنسِ والخوفِ..
وآخرُ الذكور
(أظنها التقوى وليس الخوفَ
أو أني أرد الخوف بالذكرى
فأستحضر في الظلمة آبائي
وأستعرض في المرآة أعضائي
وألقي رأسيَ المخمور في
شقشقة الماء الطهور).
تركت مخبئي لألقي نظرة على بلادي
ليس هذا عطشاً للجنس,
إنني أؤدي واجباً مقدساً
وأنتِ لستِ غيرَ رمزي فاتبعيني.
لم يعد من مجد هذه البلاد غير حانةٍ
ولم يبق من الدولة إلا رجل الشرطة
يستعرض في الضوء الأخير
ظله الطويل تارة
وظله القصير!
****
أنسج ظلي حفرة
أنسج ظلي شبكه
أقبع في بؤرتها المُحْلَوْلكه
بعد قليل ينطفي الضوء,
وتمتد خيوط الشبكه
تمسك رِجلَ الملكه!
في الليل كان الصيف نائماً.
لماذا لم نعد نشهد في حديقة الأرملة الشابة زواراً?
لماذا لم تعد تهبُّ في أجسادنا رائحة الفل,
ويمشي عطرها الفاتر في مسامِّنا?!
في الليل
كان الصيف, في حديقةٍ ما, نائماً عريان
كان رائعاً بمعزلٍ عنا
بعيداً كصبي صار في غيبتنا شاباً جميلا
يعبر الآن بنا ولا يرانا
آه !
كان الصيف يملأ الشهور
من غير أن يلمسنا!
تلك عناقيد الندى
ترشح في أرنبة الأنف
وفي تُويْجة النهد الصغير
والجسدُ الورديُّ يستلقي على عشب السرير
والفراشاتُ على الأغصان زهرٌ عالقٌ
وعتمة البستان لون نائم
فأمكنيني منكِ يا مليكتي
إنّ أكُفَّ شجر الصبار برعمت
وكاد الليل ينتهي
وما زلنا نطير!
أنسج ظلي برعما
وكائنات شبقه
أبحث عن مليكتي
في غيمة أو صاعقهْ
أطبع قبلتي على..
خدودها المحترقهْ
منتظراً نهايتي
منتظراً قيامتي
فراشة, أو يرقهْ!
****
آهٍ من الفل الذي يعبق في واجهة الدار
من الضوء الذي يشع كالماسات في مفارق النخل
من الظل الذي يلعق في الماء تجاويف الصخور!
من اليمامات التي تهدل في الذكرى
وتستوحي جمالنا المحجّب الأسير!
من قطرة الماء التي ترشح في آنية الماء
كوجهٍ من نقاءٍ خالصٍ
يطلع في الصمت, وفي الظل القرير
يعشق في المرآة ذاته سويعات الهجير!
آهٍ من الموت الذي يظهر في رابعة النهار لصاً فاتناً
فتخرج النساء ينظرن إليه والهاتٍ..
****
ويعرّين له في وهج الشمس الصدور والنحور!
الليل أنثى في انتظاري.
هذه مدينة عطشى إلى الحب
أشم عطرها كأنه مُواء قطة
أرى رقدتها في اللؤلؤ المنثور
في حدائق الديجور
آهٍ !
كيف صار كل هذا الحسن مهجوراً
وملقى في الطريق العام
يستبيحه الشرطي والزاني!
كأني صرت عِنِّيناً فلم أجب نداءها الحميم المستجير
تلك هي الريح العقور
أحسها تقوم سداً بين كل ذكر وأنثى
إنها السم الذي يسقط بين الأرض والغيم
وبين الدم والوردة
بين الشِّعر والسيف
وبين الله والأمة
بين شهوة الموت
وشهوة الحضور!



الصورة:

أوراق من سيرة تأبط منفى

كلمات الشاعر : عدنان الصائغ


(1)
أتسكعُ تحتَ أضواءِ المصابيحِ
وفي جيوبي عناوين مبللةٌ
حانةٌ تطردني إلى حانةٍ
وامرأةٌ تشهيني بأخرى
أعضُّ النهودَ الطازجةَ
أعضُّ الكتبَ
أعضُّ الشوارعَ
هذا الفمُ لا بدَّ أن يلتهمَ شيئاً
هذه الشفاه لا بدَّ أن تنطبقَ على كأسٍ
أو ثغرٍ
أو حجر
لمْ يجوعني الله ولا الحقولُ
بل جوعتني الشعاراتُ
والمناجلُ التي سبقتني إلى السنابلِ
أخرجُ من ضوضائي إلى ضوضاءِ الأرصفةِ
أنا ضجرٌ بما يكفي لأن أرمي حياتي
لأيةِ عابرةِ سبيلٍ
وأمضي طليقاً
ضجراً من الذكرياتِ والأصدقاءِ والكآبةِ
ضجراً أو يائساً
كباخرةٍ مثقوبةٍ على الجرفِ
لا تستطيعُ الإقلاعَ أو الغرق
تشرين ثاني 1993 عدن
*
(2)
كتبي تحتَ رأسي
ويدي على مقبضِ الحقيبةِ
السهول التي حلمنا بها لمْ تمنحنا سوى الوحولِ
والكتب التي سطرناها لمْ تمنحنا سوى الفاقةِ والسياطِ
أقدامي امحتْ من التسكعِ على أرصفةِ الورقِ
وأغنياتي تكسّرتْ مع أقداحِ الباراتِ
ودموعي معلّقةٌ كالفوانيسِ على نوافذِ السجونِ الضيقةِ
أفردُ خيوطَ الحبرِ المتشابكةَ من كرةِ صوفِ رأسي
وأنثرها في الشوارعِ
سطراً سطراً،
حتى تنتهي أوراقي
وأنام
آذار 1996 دمشق
*
(3)
سأحزمُ حقائبي
ودموعي
وقصائدي
وأرحلُ عن هذه البلادِ
ولو زحفتُ بأسناني
لا تطلقوا الدموعَ ورائي ولا الزغاريدَ
أريد أن أذهبَ
دون أن أرى من نوافذِ السفنِ والقطاراتِ
مناديلكم الملوحةَ.
أستروحُ الهواءَ في الأنفاقِ
منكسراً أمامَ مرايا المحلاتِ
كبطاقاتِ البريدِ التي لا تذهبُ لأحدٍ
لنحمل قبورنَا وأطفالنَا
لنحمل تأوهاتِنا وأحلامنَا ونمضي
قبل أن يسرقَوها
ويبيعوها لنا في الوطنِ: حقولاً من لافتاتٍ
وفي المنافي: وطناً بالتقسيط
هذه الأرضُ
لمْ تعدْ تصلحُ لشيءٍ
هذه الأرضُ
كلما طفحتْ فيها مجاري الدمِ والنفطِ
طفحَ الانتهازيون
أرضنا التي نتقيَّأُها في الحانات
ونتركها كاللذاتِ الخاسرةِ
على أسرةِ القحابِ
أرضنا التي ينتزعونها منا
كالجلودِ والاعترافاتِ
في غرفِ التحقيقِ
ويلصقونها على اكفنا، لتصفّقَ
أمامَ نوافذِ الحكامِ
أيةُ بلادٍ هذه
ومع ذلك
ما أن نرحلَ عنها بضعَ خطواتٍ
حتى نتكسرَ من الحنين
على أولِ رصيفِ منفى يصادفنا
ونهرعُ إلى صناديقِ البريدِ
نحضنها ونبكي
كانون ثاني 1996 الخرطوم
*
(4)
حياتنا التي تشبه الضراط المتقطع في مرحاض عام
حياتنا التي لمْ يؤرخها أحد
حياتنا ناياتنا المبحوحةُ في الريحِ
أو نشيجنا في العلبِ
حياتنا المستهلكةُ في الأضابير
والمشرورةُ فوق حبالِ غسيلِ الحروبِ
ترى أين أوَّلي بها الآن
حين تستيقظُ فجأةً
في آخرةِ الليلِ
وتظلُّ تعوي في شوارعِ العالم
15/7/1999 ليلاً - قناة دوفر Dover بحر المانش
*
(5)
أضعُ يدي على خريطةِ العالمِ
وأحلمُ بالشوارعِ التي سأجوبها بقدمي الحافيتين
والخصورِ التي سأطوقها بذراعي في الحدائقِ العامةِ
والمكتباتِ التي سأستعيرُ منها الكتبَ ولن أعيدها
والمخبرين الذين سأراوغهم من شارعٍ إلى شارعٍ
منتشياً بالمطرِ والكركراتِ
حتى أراهم فجأةً أمامي
فأرفع إصبعي عن الخارطة خائفاً
وأنامُ ممتلئاً بالقهر
16/7/1999 حديقة الهايدبارك – لندن
*
(6)
سأقذفُ جواربي إلى السماءِ
تضامناً مع مَنْ لا يملكون الأحذيةَ
وأمشي حافياً
ألامسُ وحولَ الشوارعِ بباطنِ قدمي
محدقاً في وجوهِ المتخمين وراءَ زجاجِ مكاتبهم
آه..
لو كانتِ الأمعاءُ البشريةُ من زجاجٍ
لرأينا كمْ سرقوا من رغيفنا
أيها الربُّ
إذا لمْ تستطعْ أن تملأَ هذه المعدةَ الجرباءَ
التي تصفرُ فيها الريحُ والديدانُ
فلماذا خلقتَ لي هذه الأضراسَ النهمة
وإذا لمْ تبرعمْ على سريري جسداً املوداً
فلماذا خلقتَ لي ذراعين من كبريت
وإذا لمْ تمنحني وطناً آمناً
فلماذا خلقتَ لي هذه الأقدامَ الجوّابةَ
وإذا كنتَ ضجراً من شكواي
فلماذا خلقتَ لي هذا الفمَ المندلقَ بالصراخِ
ليلَ نهار
آب 1999 براغ
*
(7)
أين يداكَ؟
نسيتهما يلوحان للقطاراتِ الراحلةِ
أين امرأتكَ؟
اختلفنا في أولِ متجرٍ دخلناهُ
أين وطنكَ؟
ابتلعتهُ المجنـزرات
أين سماؤكَ؟
لا أراها لكثرةِ الدخانِ واللافتاتِ
أين حريتكَ؟
أنني لا أستطيعُ النطقَ بها من كثرةِ الارتجاف
1996 مقهى الفينيق - عمان
*
(8)
دموعي سوداء
من فرطِ ما شربتْ عيوني
من المحابرِ والزنازين
خطواتي قصيرة
من طولِ ما تعثرتْ بين السطورِ بأسلاكِ الرقيب
أمدُّ برأسي من الكتاب
وأتطلعُ إلى ما خلفتُ ورائي
من شوارع مزدحمةٍ
ونهودٍ متأوهةٍ
ورغباتٍ مورقةٍ في الأسرّةِ
وأعجبُ كيف مرّتِ السنواتُ
وأنا مشدودٌ بخيوطِ الكلماتِ إلى ورقة
تموز 1993 مهرجان جرش- عمان
*
(9)
لا شمعة في يدي ولا حنين
فكيف أرسمُ قلبي
لا سنبلة أمامَ فمي فكيفَ أصفُ رائحةَ الشبعِ
لا عطور في سريري فكيف أستدلُّ على جسد المرأة
لنستمع إلى غناءِ الملاحين
قبل أن يقلعوا بأحلامهم إلى عرضِ البحرِ وينسونا
لنستمع إلى حوارِ الأجسادِ
قبل أن ينطفئَ لهاثها على الأرائك
أنا القيثارةُ مَنْ يعزفني
أنا الدموعُ مَنْ يبكيني
أنا الكلماتُ مَنْ .. يرددني
أنا الثورةُ مَنْ يشعلني
تشرين ثاني1993 صنعاء
*
(10)
أكتبُ ويدي على النافذة
تمسحُ الدموعَ عن وجنةِ السماء
أكتبُ وقلبي في الحقيبةِ يصغي لصفيرِ القطارات
أكتبُ وأصابعي مشتتة على مناضدِ المقاهي ورفوفِ المكتبات
أكتبُ وعنقي مشدودٌ منذ بدءِ التاريخِ
إلى حبلِ مشنقةٍ
أكتبُ وأنا أحملُ ممحاتي دائماً
لأقلِّ طرقةِ بابٍ
وأضحكُ على نفسي بمرارةٍ
حين لا أجد أحداً
سوى الريح
1991 بغداد
*
(11)
كيف لي
أن أتخلّصَ من مخاوفي
رباه
وعيوني مسمرةٌ إلى بساطيلِ الشرطةِ
لا إلى السماءِ
وبطاقتي الشخصية معي
وأنا في سريرِ النومِ
خشيةَ أنْ يوقفني مخبرٌ في الأحلام
24/7/1999 امستردام
*
(12)
تحتَ سلالمِ أيامي المتآكلةِ
أجلسُ أمام دواتي اليابسةِ
أخططُ لمجرى قصيدتي أو حياتي
ثم أديرُ وجهي باتجاهِ الشوارع
ناسياً كلَّ شيءٍ
أريدُ أن أهرعَ لأولِ عمودٍ أعانقهُ وأبكي
أريدُ أن أتسكعَ تحتَ السحب العابرة
حتى تغسل آثارَ دموعي
أريد أن أغفو على أيِّ حجرٍ أو مصطبةٍ أو كتاب
دونَ أن يدققَ في وجهي مخبرٌ
أو متطفلةٌ عابرةٌ
أعطوني شيئاً من الحريةِ
لأغمس أصابعي فيها
وألحسها كطفلٍ جائعٍ
أنا شاعرٌ جوّاب
يدي في جيوبي
ووسادتي الأرصفة
وطني القصيدة
ودموعي تفهرسُ التأريخَ
أشبخُ السنواتِ والطرقاتِ
بعجالة مَنْ أضاعَ نصفَ عمرِهِ
في خنادقِ الحروبِ الخاسرةِ والزنازين
مَنْ يغطيني من البردِ واللهاثِ ولسعاتِ العيون
وحيداً، أبتلعُ الضجرَ والوشلَ من الكؤوسِ المنسيّةِ على الطاولاتِ
وأحتكُّ بأردافِ الفتياتِ الممتلئةِ في مواقفِ الباصاتِ
لي المقاعدُ الفارغةُ
والسفنُ التي لا ينتظرها أحد
لا خبز لي ولا وطن ولا مزاج
وفي الليل
أخلعُ أصابعي
وأدفنها تحتَ وسادتي
خشيةَ أن أقطعها بأسناني
واحدةً بعدَ واحدة
من الجوعِ
أو الندمِ
تشرين أول1996 بيروت
*
(13)
أيها القلبُ الضال
يا مَنْ خرجتَ حافياً ذاتَ يومٍ
مع المطرِ والسياطِ وأوراقِ الخريفِ
ولمْ تعدْ لي
سأبحثُ عنكَ
في حقائبِ الفتياتِ اللامعةِ والمواخيرِ ومحطاتِ القطاراتِ
حافياً أمرُّ في طرقاتِ طفولتي
وعلى فمي تتراكمُ دموعُ الكتب والغبار
أجمعُ بقايا الصحفِ والغيوم الحزينة وصور الممثلات العارية
وأدلقُ وشلَ القناني الفارغةِ في جوفي
أجمعُ أعقابَ السجائر المطلية بالأحمر
وأظلُّ أحلمُ بما تركتهُ الشفاهُ الأنيقةُ من زفراتٍ
القصائدُ تتعفنُ في جيوبي
ولا أجد مَنْ ينشرها
الدموعُ تتيبسُ على شفتي
ولا أجد مَنْ يمسحها
راكلاً حياتي بقدمي من شارعٍ إلى شارعٍ
مثلما يركلُ الطفلُ كرتَهُ الصغيرةَ ضجراً منها
وأنا...
أتأملُ وجهي في المرايا المتعاكسة
وأعجبُ
كيف هرمتُ
بهذه العجالة
7/1/2000 أوسلو
*
(14)
سأجلسُ على بابِ الوطنِ محدودبَ الظهرِ
كأغنيةٍ حزينةٍ تنبعثُ من حقلٍ فارغٍ
يغطيني الثلجُ وأوراقُ الشجرِ اليابسة
أنظرُ إلى أسرابِ العائدين من منافيهم كالطيورِ المتعبةِ
أمسحُ عن أجفانهم الثلوجَ والغربةَ
إنهم يعودون...
لكن مَنْ يعيد لهم ما ضيعوهُ
من رملٍ وأحلامٍ وسنوات
أقلعتُ في أولِ قطارٍ إلى المنفى
وأنا أفكرُ بالعودة
شاختْ سكةُ الحديدِ
وتهرأتِ العجلاتُ
وامحتْ ثيابي من الغسيلِ
وأنا ما زلتُ مسافراً في الريحِ
أتطايرُ بحنيني في قاراتِ العالم
مثل أوراقِ الرسائلِ الممزقةِ
دموعي مكسّرةٌ في الباراتِ
وأصابعي ضائعةٌ على مناضدِ المقاهي
تكتبُ رسائلَ الحنينِ
لأصدقائي الذين لا أملكُ عناوينهم
أنامُ على سطوحِ الشاحناتِ
وعيوني المغرورقةُ باتجاهِ الوطنِ البعيد
كطائرٍ لا يدري على أيِّ غصنٍ يحطُّ
لكنني دون أن أتطلعَ من نافذةِ القطارِ العابرِ سهوب وطني
أعرفُ ما يمرُّ بي
من أنهارٍ
وزنازين
ونخيلٍ
وقرى. أحفظها عن ظهرِ قلب
سأرتمي، في أحضانِ أولِ كومةِ عشبٍ تلوحُ لي من حقولِ بلادي
وأمرّغُ فمي بأوحالها وتوتها وشعاراتها الكاذبةِ
لكنني
لن أطرقَ البابَ يا أمي
إنهم وراء الجدران ينـتظرونني بنصالهم اللامعة
لا تنتظري رسائلي
إنهم يفتشون بين الفوارز والنقاطِ عن كلِّ كلمةٍ أو نأمةٍ
فاجلسي أمامَ النافذة
واصغي في الليلِ إلى الريح
ستسمعين نجوى روحي
1998 مالمو
*
(15)
خطوطُ يدي امحت من التشبّثِ بالريحِ والأسلاك
ومن العاداتِ السرّيةِ
مع نساء لا أعرفهن
التقطتهنَّ بسنّارةِ أحلامي من الشارع
وهذه الشروخ، التي ترينها ليستْ سطوراً
بل آثار المساطر التي انهالتْ على كفي
وهذه الندوب، عضات أصابعي
من الندم والغضب والارتجاف
فلا تبحثي عن طالعي في راحتي
- ياسيدتي العرافة -
ما دمتُ مرهوناً بهذا الشرقِ
فمستقبلي في راحات الحكام
20/3/1990 كورنيش النيل- القاهرة
*
(16)
لا أعرفُ متى سأسقطُ على رصيفِ قصائدي
مكوّماً بطلقةٍ
أو مثقوباً من الجوعِ
أو بطعنة صديق
يمرُّ الحكامُ والأحزابُ والعاهراتُ
ولا يد تعتُّ بياقتي وتنهضني من الركامِ
لا عنق يستديرُ نحوي
ليرى كيفَ يشخبُ دمي كساقيةٍ على الرصيفِ
لا مشيعين يحملونني متأففين إلى المقبرة
الأقدامُ تدوسني أو تعبرني
وتمضي
الفتياتُ يشحنَ بأنظارهن
وهن يمضغن سندويشاتهن ونكاتهن المدرسية البذيئة
ومئذنةُ الجامعِ الكبير
تصاعدُ تسابيحها - ليلَ نهار -
دون أن تلتفت لجعيري
…….
لا أعرفُ على أيِّ رصيفِ منفى
ستسّاقطُ أقدامي ورموشي من الانتظار
لا أعرفُ أيَّ أظافرٍ نتنةٍ ستمتدُ إلى جيوبي
وتسلبني قصائدي
ومحبرتي وأحلامي
في وضحِ النهار
لا أعرفُ على أيِّ سريرِ فندقٍ أو مستشفى
سأستيقظ
لأجد وسادتي خاليةً...
ودموعي باردةً
ووطني بعيد
لا أعرفُ في أيِّ منعطفِ جملةٍ أو وردةٍ
سيسدد أحدهم طعنتَهُ المرتبكةَ العميقةَ
إلى ظهري
من أجلِ قصيدةٍ كتبتها ذاتَ يومٍ
أشتمُ فيها الطغاة والطراطير
ومع ذلك سأواصلُ طوافي وقهقهاتي وشتائمي
عابراً وليس لي غير الأرصفةِ والسعالِ الطويلِ
ليس لي غير الحبرِ والسلالمِ والأمطارِ
سائراً مثلَ جندي وحيدٍ
يجرُّ بين الأنقاضِ حياتَهُ الجريحةَ
لا أريدُ أوسمةً ولا طبولاً ولا جرائدَ
أريدُ أن أضعَ جبيني الساخنَ
على طينِ أنهارِ بلادي
وأموت حالماً كالأشجار


صورة:

 
مدونة الشعر العربي © 2012 | By منتديات طلبات الابداع